المتاحف الذاتية.. مخازن معرفة تنتظر الدعم
تشكل المتاحف باختلاف أنواعها حجر الأساس في التعريف بحضارة الشعوب وحفظ ذاكرتها للأجيال المقبلة حتى تكون على علم بماضيها لتعلم مستقبلها وأين تضع قدمها على خريطة العلم والتقدم، ولذا أنشئت في المملكة عدة متاحف لإثراء الحياة الثقافية، لكنها رغم ذلك لا يعرفها سوى القلة من الناس، ما يعني أهمية إبرازها وتسليط الأضواء عليها لعل ذلك يمكنها من المساهمة في أن تؤدي دورها المنشود تجاه المجتمع.
من تقرير أعدته الهيئة العامة للسياحة والآثار يتضح أن المملكة تملك قرابة 132 متحفًا تتنوع محتوياتها وفقاً لاختصاص كل منها، منها المتحف الوطني بالرياض، متحف المصمك التاريخي، متحف صقر الجزيرة للطيران، متحف مكتبة الملك فهد، ومتحف العملات وقد أُنشئ في المبنى الرئيس لمؤسسة النقد العربي السعودي، وتُعرض فيه العملات النادرة التي سادت قبل الإسلام إضافة إلى مجموعة من العملات الإسلامية جرى استخدامها تجارياً حتى القرن الرابع عشر الهجري.
ولا تتركز المتاحف في مدينة الرياض فقط فكل مدينة خارجها تقريباً تملك متحفاً خاصاً في مقدمتها متحف مكة المكرمة الذي يضم بين جنباته شواهد حضارة وتاريخ منطقة مكة المكرمة منذ فجر التاريخ حتى الوقت الحاضر، ومتحف الحرمين الشريفين الذي أُنشئ للتعريف بالتطور التاريخي للحرمين الشريفين، ويتبع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكذلك “متحف جدة” الذي يعكس المراحل الحضارية والتاريخية لمنطقة الحجاز، إضافة إلى متاحف أخرى تشترك كلها في هدف واحد وهو التعريف بتاريخ المدينة بصفة خاصة، والمملكة بصفة عامة.
قاعات .. ومراكز
ولم يتوقف الأمر عند إنشاء متاحف بالمعنى المتعارف عليه، فقد أنشئت أيضاً عدة مراكز وقاعات للعناية بتراث المملكة، ومن ذلك قاعة الملك عبدالعزيز التذكارية، وقاعة الملك فيصل التذكارية، وقاعة المخطوطات بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
كما كان للجامعات اهتمام خاص بالمتاحف ونشر ثقافتها بين الطلاب، وتحتضن جامعة الملك سعود -على سبيل المثال- الكثير من المتاحف التي تنوعت اختصاصاتها ومنها متحف علم الحيوان، متحف الآثار، متحف التراث الشعبي، متحف العقاقير، متحف التشريح، المتحف الجيولويجي، ومتحف كلية علوم البحار، كما تحتضن جامعة الملك عبدالعزيز متحفاً خاصاً بكلية علوم الأرض.
وتُعد المنطقة الشرقية من أكثر مناطق المملكة منافسة للمنطقة الوسطى في عدد المتاحف التي تضمها، ومن ذلك : متحف الدمام الإقليمي للآثار والتراث الشعبي، متحف الإحساء المحلي للآثار والتراث الشعبي بمدينة الهفوف، ومتحف أرامكو السعودية بالظهران، ومعرض الهيئة الملكية بالجبيل وينبع، ومتحف الإعلام الخارجي بالدمام. متاحف بالجهود الذاتية .. السالم أنموذجاً ومع تنامي دور المتاحف العامة المملوكة للدولة أقدم بعض أبنائها المهتمين بالآثار ودورها في التعريف بماضي المملكة على إنشاء متاحف خاصة بهم، جمعوا فيها الكثير من الكنوز التاريخية وهي منتشرة بمدن المملكة المختلفة، ومن بينها متحف حمد بن سليمان السالم الذي أنُشئ بمدينة أشيقر العام 1433ه، ومن قبل كان يحفظ مقتنياته بمنزله في الرياض وجرى تكريم السالم من قبل الهيئة العليا للسياحة والآثار ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي أقيم مؤخراً بالرياض في الثالث عشر من جمادى الأولى 1436 ه ( الرابع من مارس 2015 م).
وفي الحفل الذي أقامته الهيئة آنذاك أوضح نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف الدكتور حسين أبو الحسن، أن تكريم أصحاب المتاحف الخاصة المميزة يعكس اهتمام الهيئة بتلك المتاحف وتشجيع أصحابها ودعمهم.
وقد ارتكزت معايير التكريم على التميز الذي اضطلعت به تلك المتاحف في مجال تنظيم العروض المتحفية، واستقبال الزوار وتعريفهم بالمقتنيات التراثية التي تجسد الأصالة والهوية التراثية والتاريخية لمناطق المملكة.
وبين كل فترة وأخرى يفد إلى متحف السالم العديد من الوفود التي تنظمها الجامعات والمراكز الشبابية والجهات المهتمة بالآثار للزيارة والتعرف على المقتنيات التي جمعها صاحب المتحف طوال خمسة وثلاثين عاماً عبر تنقلاته في مدن المملكة المختلفة.
وقد كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان من أوائل الداعمين لمساعي السالم في نشر الثقافة بتاريخ المملكة نظراً لاهتمامه بالتأثير المعرفي لتلك المتاحف، فكان أن شارك السالم بعرض متحفه أمام سموه في احتفال أقامته مدارس الملك فيصل بحي السفارات، وكان سموه قد تعرف على المتحف قبل ذلك في أثناء زيارته لمدينة أشيقر في شوال 1424ه.
ويمتاز المتحف باحتوائه على مقتنيات تثير إعجاب الكبار قبل الصغار حيث تُعيد إلى الأذهان الماضي وتجسده أمام أعينهم بما تشمله من أدوات قديمة استخدمت قبل التعليم النظامي كالمحبرة والأقلام والحقيبة الحديدية والمقعد الخشبي الكبير.
وقد أُعجب الكثير من هواة الآثار بما ضمه المتحف من قطع تُعد من غرائب المقتنيات، أبرزها سراج “أبو دهنة” المصنوع من الحجر، ومقلاع الأسنان، وعلب الحليب القديمة، إضافة إلى أجهزة اندثرت ولم يعد لها وجود حالياً ومنها سراج الشحم والقاز. جدير بالذكر ان السالم بدأ في جمع متحفه منذ خمسة وأربعين عاما عندما كان موظفاً في وزارة الصحة.
دعوة للاهتمام
ونظراً للأهمية التاريخية التي تمثلها المتاحف خاصة الذاتية منها فإن الأمر بحاجة إلى اهتمام ودعم من الجهات المعنية بالدولة لتلك المتاحف، بعد أن تعددت أنواعها لتشمل الكثير من مجالات الحياة القديمة والحالية.
وتحتاج المتاحف إلى أبنية خاصة تحتوي أساليب خاصة للعرض وخزائن حديثة ذات مواصفات خاصة تتناسب وطبيعة المواد المعروضة ونوعية الإضاءة، وغيرها من إمكانيات ضرورية لا تتوافر سوى في المتاحف الحكومية أو المدعومة مالياً.
كذلك لا تحظى المتاحف الذاتية ومنها متحف حمد السالم بنوع من الترويج الإعلامي، يساعدها في الوصول بمقتنياتها التاريخية إلى كثير من الشرائح المجتمعية، ورغم الزيارات التي يتلقاها متحف السالم من فئات متفاوتة العمر إلا أن ما يحتويه المتحف بحاجة إلى كثير من الاهتمام والدعم حتى يستمر توهجه، وحتى لا تفتر همة السالم وغيره من المهتمين بتاريخ بلادهم عن نشر ذاك المجد المتمثل في ماضٍ تليد تستمد منه المملكة حاضرها ومستقبلها.
الرياض – محمد الحسيني (http://www.alriyadh.com/1054307)